هكذا تبدو حياة 130 ألف نازح من الروهينغا العالقين في مخيمات في ولاية راخين في وسط ميانمار: يعيشون بلا مستقبل، ووصولهم إلى الأراضي وسبل العيش يكاد يكون منعدما. يعتمدون على المساعدات الخارجية ويموتون بأمراض قابلة للعلاج بسبب محدودية الرعاية الصحية. حتى الملاجئ التي بُنيت في 2012، لتدوم عامين، تدهورت. أغلب الأطفال يستطيعون حضور الفصول الأساسية فقط في أماكن تعلّم مؤقتة.
تستخدم السلطات البورمية تدابير مكافحة فيروس "كورونا" ذريعةً لمضايقة الروهينغا وابتزازهم، وعزّزت النظام الذي كانت تستخدمه أصلا لسجن السكان. قال بعض الروهينغا ممن يعيشون في المخيمات لـ "هيومن رايتس ووتش" إن القوات العسكرية والشرطة تمارس عليهم مضايقات وعقوبات بدنية عند نقاط التفتيش. قالت امرأة من الروهينغا إن الشرطة أجبرتها على الجلوس والوقوف لمدة 30 دقيقة في نقطة تفتيش لأنها لم تكن تلبس كمامة، حتى أصيبت بالإرهاق وعجزت عن الحركة. قال رجل آخر إنه رأى أشخاصا يُجبرون على الجلوس في وضع القرفصاء وأيديهم على آذانهم عند نقطة تفتيش.
غير أن مراجعتنا لما فعلته السلطات منذ يناير/كانون الثاني لم ترصد شيئا يُذكر.
يعيش الروهينغا أوضاعا مزرية على أرض الواقع، حيت تُفرض "قيود قمعية منتظمة" على الذين بقوا في ولاية راخين، ما قد يؤشر على استمرار الإبادة الجماعية. أنشأت الحكومة المخيمات بعد حملة تطهير عرقيوجرائم ضدّ الإنسانية بحق الروهينغا في ولاية راخين عام 2012. بعد ثماني سنوات تقريبا، ما زال الروهينغا في مخيمات هي فعليا مراكز احتجاز محاطة بالأسيجة، والشرطة، والجيش.
ميانمار لها تاريخ حافل باللجان والهيئات الجوفاء لتهدئة المنتقدين، وتعطيل التدقيق الدولي الحقيقي، وتنفيس الضغط من أجل الإصلاح. غير أنّ قضاة المحكمة الجنائية الدولية أكدوا بوضوح على ضرورة اتخاذ ميانمار "تدابير ملموسة تهدف بشكل خاص إلى الاعتراف بحق الروهينغا في البقاء كمجموعة محمية بموجب ́اتفاقية الإبادة الجماعية ́ وضمان هذا الحق".
في مقابلات أجرتها هيومن رايتس ووتش حديثا، تحدّث مهجّرون من الروهينغا في مخيمات سيتوي عن مجموعة مألوفة من تدابير التباعد الاجتماعي، وغسل اليدين المتكرر، وارتداء الكمامات، وكلها تنطبق على عموم سكان ميانمار. غير أن تبعات عدم الامتثال لهذه التدابير ليست نفسها.
قالت امرأة من الروهينغا إنهم ممنوعون من عبور نقاط التفتيش في سيتوي دون كمامات، وتُفرض عليهم غرامات أو عقوبات مرتجلة بسبب ذلك. غير أن السلطات لم توفر ما يكفي من الكمامات للروهينغا في المخيمات. أخبرنا العديد من سكان المخيمات أن العائلة بأكملها عليها أن تتشارك الكمامة لأنها لا تستطيع توفير كمامة لكل فرد.
ليس هناك ما يضمن حماية الأشخاص من الابتزاز إن اتبعوا قواعد كورونا. قال رجل من الروهينغا: "تفرض الشرطة غرامات على الناس حتى وإن كانوا يرتدون كمامة... رأيتهم يأخذون النقود من جيب رجل، تقريبا 20 ألف" كيات (14 دولار) – وهو مبلغ كبير بالنظر إلى أن الكثير من النازحين لا يحصلون سوى على 15 ألف كيات تقريبا (11 دولار) في الشهر من "برنامج الأغذية العالمي" بدلا من الحصص الغذائية.
راخين، إحدى أفقر ولايات ميانمار، غير جاهزة للتعامل مع تفشي كورونا، والمخاطر الصحية أكبر بكثير بالنسبة إلى الروهينغا المهجرين الذين يعيشون في مخيمات مكتظة وقذرة. كل من يحتاج إلى إحالة طبية إلى "مستشفى سيتوي العام" يكافح للحصول على تصريح لمغادرة المخيمات، حتى في الحالات الطارئة. قال رجل من الروهينغا إن مسؤولا في البلدة قال له: "إذا أصيب أشخاص [بفيروس كورونا]، عليكم الحصول على علاج لهم في المخيمات. لن يُسمح لهم بدخول المستشفى".
غير أن المخيمات ليس فيها اختبارات كورونا ولا تستطيع التعامل مع الحالات الطبية المعقدة. التقاعس في توفير التدخل الصحي اللازم تؤكده "خطة العمل المتعلقة بالسيطرة على انتشار فيروس كورونا في مخيمات النازحين"، التي لا تنص على اختبارات أو خطط خاصة بالنازحين.
قد تُشير ميانمار إلى التوجيهات الرئاسية الأخيرة الرامية إلى الوقاية من الإبادة الجماعية، وحفظ الأدلة، وردع خطاب الكراهية كدليل على التقدّم في تنفيذ أمر المحكمة الجنائية الدولية.
غير أنّه يتعين على الحكومات المانحة، والأمم المتحدة، وغيرهم ممن يتساءلون عن التزام ميانمار بأمر المحكمة المتعلق بالتدابير المؤقتة، الانتباه إلى أنّ القيود المتزايدة واتساع حجم الابتزاز يعني أن الروهينغا المحتاجين إلى علاج فيروس كورونا قد يضطرون إلى التخلي عن طعامهم من أجل شراء الكمامات.
وحتى إذا وضعوا الكمامات، قد يواجهون المضايقات، والغرامات، والعقاب البدني في مختلف نقاط التفتيش ليكتشفوا أنّ المستوصف الأساسي في المخيمات – المكان الوحيد حيث يستطيعون الحصول على مساعدة طبية – لا يستطيع إجراء اختبارات لهم أو منحهم الرعاية اللازمة. في خضمّ هذا الوباء، وكذلك القتال بين قوات الحكومة والجماعات العرقية المسلحة في مختلف أرجاء ولاية راخين، تتزايد كل يوم التهديدات لحياة الروهينغا المتبقين في ميانمار وحريتهم.
الامتثال لأمر المحكمة الجنائية الدولية يعني أنّه يتعيّن على ميانمار اتخاذ خطوات حقيقية وعاجلة لتفكيك الإطار القمعي الذي يستهدف من تبقى من الروهينغا في ولاية راخين، وتعزيز وحماية الحقوق التي طالما حُرموا منها. أيّ شيء أقل من ذلك سيساهم في القضاء على الروهينغا.